بقلم مادونا عسكر
كلّ إنسان منّا يتوق إلى أن يكون حرّاً ، ويحلم ويسعى ، يمنّى ويترجّى أن
يأتي يوم يقول فيه : "أنا إسانٌ حرٌّ". وكثيراً ما يضحّي بالغالي
والرّخيص من أجل تحقيق هذا الهدف ، فللحرّيّة ثمن باهظ جدّاً ، قد يكلّفه
أحياناً حياته .
مسيرة الإنسان ، إذا ما أراد السّعي إلى الحرّيّة ، تبدأ من داخل الإنسان
إلى الخارج . فالحرّيّة هي تنبع من عمق الإنسان إلى ظاهره . فتغدو
الحرّيّة متينة ، وصلة وصل وتفاعل مع الآخر.
وللحرّيّة شروط ومقاييس وثمن يجب أن يُدفع ، ومن المهمّ جدّاً أن نعي أنّ
كلّ إنسان حرّ ، انتهج خطّاً في مسيرة حياته . وليس حرّاً لأنّه عاش في
مكان معيّن أو لأنّه يفعل ما يشاء . ألحرّيّة استحقاق ، نسعى إليه من
خلال ما تربّينا عليه ، ومن خلال ما اكتسبنا من ثقافات متنوّعة ، نوجّهها
بخبرتنا الشّخصيّة بما يتوافق وهذا الهدف : " الحرّيّة " .
- التّحرّر من الدّاخل إلى الخارج :
ألتّحرّر من الدّاخل يبدأ بقدر وعي الإنسان على ما يدفعه إلى عيش
الحرّيّة . وعادة ، ومقابل لهذا الوعي ، تولد انتفاضة في الذّات . ولا
تهدأ هذه الانتفاضة إلّا عند بلوغ الهدف المرجو . ولا نتكلّم هنا على
صعيد الوطن ، بل على مستوى الفرد وشخصه . هذا الوعي يساعد الإنسان على
معرفة ذاته وتحديد قدراته وبالتّالي يرسم حدود حرّيّته مع الآخر .
وبالطّريقة عينها يتّخذ قراراته ويلتزم بقناعاته ، مميّزاً بين العمل
ودوافع العمل . كما يمكنه التّمييز بين الإنسان الحرّ والإنسان الغارق في
العبوديّة ، من خلال التّصرّفات وردّات الفعل . كما تشكّل الحرّيّة عبئاً
لمن لا يتمتّعون بها . لذا ، التّربية على الحرّيّة يرافقها بشكل
متوازٍ ، التّربية على الوعي ، والصّدق مع الّذات .
ألإنسان الحرّ ، هو صاحب قرار . إمّا نعم ، إمّا لا .
من المهمّ جدّاً أن يتمتّع الإنسان الحرّ بما نسمّيه " ألخيار " . فلكلّ
موقف يوميّ ضمن علاقة أو خارجها ، ضمن العائلة ، العمل ... ، قرار يجب أن
يٌتّخذ . وغالباً ما نعتقد أنّنا أسياد أنفسنا ونملك حرّيّة اتّخاذ
القرار ، إلّا أنّنا وفي عمق ذواتنا نشعر أنّنا اسرى لظروف ، أو واقع
نمرّ به ، لعادات وتقاليد إجتماعيّة ، لردّات فعل نعيشها ونتفاعل معها ،
أو أسرى الخوف من نظرة الآخر . لذا وجب علينا إعادة النّظر بالخيارات
الّتي نقوم بها وغالباً ما تنعكس سلباً علينا وعلى محيطنا ، إذا ما
اتّخذت عن وعي وإدراك ومسؤوليّة . وهنا يكون الخيار قليلاً لأنّه بين
ال(نعم) وال(لا) ، بين القبول والرّفض ، تتكوّن مسيرة الإنسان الشّخصيّة
فينمو وينضج ويتطوّر . وبالتّالي وجب تحديد إذا ما كان الخيار المتّخذ ،
ناتج عن وعي أو عن ردّة فعل على خيارات الآخرين . من هذا المنطلق ،
باستطاعة كلّ إنسانٍ أن يعيش حرّاً ، إذا ما تمتّع بالوعي كعنوان
لحياته ، والخيار الصّائب والسّليم كأساسٍ لمسيرته .
يتمتّع الإنسان الحرّ بنظرة الأمل . ألأمل بغدٍ أفضل ، ببناء إطار أفضل
له وللآخرين . أمل يبعد عنه الخوف ، فيتخطّى كلّ الحواجز والصّعوبات ،
ينمّي ذاته ، يطوّرها ويحيا حرّيّة داخليّة ، تنعكس خارجيّاً على محيطه .
والأمل ينبع من الذّات وليس من الآخر ، ولا نتوقعنّ الكثير من الآخر ،
فغالباً ما يخيب أملنا . ليس لأنّ الآخر سيّء ، وإنّما لأنّ كلّ إنسان
يتمتّع بمقدّرات معيّنة . فلنتوقّع القليل لنحصل على الكثير .
- وطن أسير :
يعيش الإنسان الحرّ في وطن يتقاسمه مع آخرين ، ولكلّ فرد منطلقاته
ومعطياته وقناعاته وقراراته . وإذا ما توفّر التّوافق والتآلف في قلب
الوطن الواحد ، تكون النّتيجة ما نشاهد اليوم من صراعات على ساحات
أوطاننا . وما يحدث اليوم على مرءاً من أعيننا ، يشير إلى أنّنا نحيا في
وطن أسير .
بغضّ النّظر عن السّياسة ، وعن الأحداث اليوميّة الّتي نشهدها من صراعات
وتعصّب وجهل ، يتجلّى لنا بوضوح أنّ كلّ فرد من الوطن يحيا لذاته ،
لمآربه الشّخصيّة والفرديّة ، ولا يحيا كلّ فرد للوطن . فالمصالح
والاعتبارات الشّخصية تعلو على الانتماء للوطن وبالتّالي تجعله أسير
النّزاعات والتّجاذبات .ويتحرّر الوطن من أثره ، عندما يتربّى كلّ فرد
على أهمّيّة المصلحة العامّة ، قبل المصلحة الخاصّة . فالمصلحة العامّة
هي المكان الّذي يجد فيه كلّ إنسان ذاته وبالتّالي يضع من ذاته ويحصد ما
يزرع . فينمو ويتطوّر ويتفاعل مع الجماعة في جوٍّ ىمن ، صحّيّ وسليم .
ويغدو الوطن مأوىً يحتضن الجميع ، كما يحتضن كلّ الأجيال القادمة كي نعيش
في وطن حرٍّ لا وطن أسير .
شعار الوطن الحرّ ، هو السّلام . ولكن على حساب من ، وفي سبيل ماذا ؟
يكون الوطن أسيراً عندما تسود فيه المحسوبيّات ، فيعيش كلّ فرد ويستفيد
ويكبر على حساب الآخر ويذلّه . ولا بدّ لهذا الذّلّ أن ينتج القهر
والانفجار يوماً ما ، فيتحوّل إلى حروب وصراعات وتناقضات . فنأسر الوطن
لأشخاص ، ننتمي إليهم ، نتزعّم لهم ، ونسير وراءهم رغم كلّ شيء مبرّرين
ما نفعله أنّه لخدمة الوطن ، أما هو خدمة للشخص الّذي أسر الوطن .
الشّعب الّذي يحيا في وطن ، يتألّف من أفراد هم أعمدة له . يعيشون الولاء
له وليس لأشخاص . يعيشون الولاء للدّاخل فيبنون داخل الوطن ، وليس الولاء
للخارج فيدمّرون الوطن . نخدم الوطن عندما ننتمي إليه ويكون ولاؤنا له ،
ونقبل أنّه للجميع ، ولا نعود ونأسره لكلّ فرد منّا ، متنازعين عليه .
-شعب يتوق إلى الحرّيّة :
ليحقّق شعب حرّيّته ، عليه أن يكون قادراً على تصنيف الحرّيّة .
كلّ شعب يتوق إلى الحرّيّة ، ويدفع الغالي والرّخيص من أجلها ، من دم
وأرواح وأبناء. ولكن توجد نقاط أساسيّة يجب أن تتوفّر عند هذا الشّعب :
- ألأولى : عيش الفعل وليس ردّة الفعل .
تنثر كلمات هنا وهناك ، كلمات جميلة ومعبّرة ، ولكنّها قاسية وصعبة وقد
تكون خياليّة أحياناً ،لأنّها تتطلّب مجهوداً وسيطرة على الذّات . كما
تطلّب الكثير من الوعي الّذي يرشدنا إلى محدوديّتنا لنبقى ثابتين على أرض
الواقع .
أن يعيش شعب فعل وليس ردّة فعل ، يعني أن يكون واقعيّاً . أن يتطلّع
الواحد للآخر ويفكّر ويخطّط ويصل إلى استنتاج أنّ ما يمكنه القيام به
اليوم ، علّه لا يقوى على القيام به في المستقبل .عيش الفعل يتطلّب
المسؤولية والوعي والحرّيّة . أمّا ردّة الفعل ، فتجعل الأمور تتفلّت من
أيدينا وبالتّالي يسعى كلّ منّا إلى تنفيذ ما يراه صائباً بعيداً عن
المصلحة العامّة .
الُثانية : ألجرأة على القول والفعل.
وتتلخّص بالجرأة على قول الحقيقة ، وتطبيقها . والجرأة على قبول الآخر
بحقيقته ، وكما هو .
وبالتّالي ، إنّ الشّعب الّذي لا يتجرّأ على قول الحقيقة ولا يقبل
الآخر ، هو شعب يعيش الخوف ، والخائف لا يمكنه أن يحيا بحرّيّة .
قليلون هم من يتجرّأون على عيش حرّيّتهم ، لأنّ الحرّيّة باهظة الثّمن .
وقد تخيفنا أحياناً لأنّ ما نرجوه هو أن نحيا الحرّيّة المطلقة ، ولا
نقوى على ذلك إلّا إذا تربّينا على الحرّيّة وعشنا أحراراً في وطن حرّ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق