حزب البعث العربي الإشتراكي
أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة
دراسات في الفكر البعثي
الدراسة الأولى
العقيدة
إن مفهوم كلمة عقيدة مأخوذ من لفظ مفردة عَقدَ بالفتح وهو إجتماع عدة عوامل ومقوّمات رئيسية في كيان موحد مشترك يمتلك توجها واحدا وثابتا لتحقيق غاية معينة، بحيث يمثل هذا التوجه مصالح ومفاهيم ورؤى تلك العوامل والمقومات المنضوية خلاله .
ومنه العقد وهو اتفاق بين طرفين أو أكثر على تحقيق غاية مشتركة سواء في العمل أو الإنتاج أوالبيع أو ماشابه ذلك، وكذلك العقد بكسر العين وهو اجتماع مكوّنات عديدة في كيان مشترك هو القلادة بصورة العقد .
وكذلك العقدة وهي تمثل المعضلة التي تشترك في تكوينها مجموعة متناقضات بحيث يصعب الفصل بينها،ومنها أيضاُ الخيوط المتشابكة مع بعضها التي يصعب حلّها وإعادة نظمها وترتيبها .
وكذلك عقد المؤتمرات فهي جمع الرؤى المتنوّعة وصياغتها في منظومة رؤيوية مشتركة بحيث تجسّد جميع الأفكار المشكلة لتلك المنظومة المنبثقة عن ذلك المؤتمر .
والعقيدة هي نتيجة قائمة على منطلق رفض الواقع وتغييره إلى الأفضل وفق تصور رؤيوي خاص عن طريق اجتماع مجموعة منطلقات وثوابت حقيقية تتمثل في (العلم والمفاهيم والواقع) لينتج عنها فكر محدّد مشترك ذات طابع إيماني قائم على مفاهيم ورؤى مشتركة تجمعها كل من المصلحة المشتركة والنهج المشترك والمصير المشترك لتشكل منظومة كيان يعمل لتحقيق غاية سامية مشتركة ، ولذلك فإن العقيدة ذات مكونين متكاملين لا ينفصلين وهما ( المنظومة والمشترك الغائي) .
إن أصل العقيدة هي المنظومة بمعنى التنوع المتعدد الذي يسعى لتحقيق المشترك الغائي ، وهذا يعني أن العقيدة أعلى من مستوى الفرد ، لذلك فهي تمثل وحدة مفاهيم مشتركة كونها ائتلاف لمفاهيم ذات أطياف متعدّدة تجمعها غاية مشتركة وهذا يعني طبيعتها الجماعية وهنا تكمن روح العقيدة كوحدة الأهداف وشمول الفكرة وتنوعها ودرجة الإستيعابية وخلود الفكرة العقائدية لتناسبها مع كل زمان ومكان .
ولذلك فالعقيدة لاتقوم إلا من خلال الجماعة وليس من خلال الفرد مهما كان ذلك الفرد على درجة متطورة من الوعي الفكري والقدرة على التأثير في الغير وامتلاكه للكفاءات التغيرية والإبداعية المختلفة .
لأن تلك المواهب والكفاءات لا تعني شيئاُ مادامت غير مؤثرة في عقول ووجدانية الآخرين وهذا يفقدها لصفة الشمول،ولذلك تبقى تلك الأفكار والتطلعات الفردية تعيش في واقع المجردات الغير واقعية وهذا يعني افتقادها للصفة العقائدية واقتصارها على صفة النزعة الفكرية لدى الفرد إلى أن يتعدّد معتنقيها لتتحول من نزعة إلى عقيدة.
وحتى يتبلور هذا الفكر إلى عقيدة فإنه يتوجب عليه أن ينتشر من عقل الفرد إلى عقل الجماعة ، لأن هذا الإنتشار يمثل تجسيده ككيان قائم ،وهذا يمثل بعث الروح والحياة في ذلك الفكر وأخذه لطور العقيدة.
ولذلك فالعقيدة تمثل جمع كل من الروح كفكرة عقائدية والكيان التنظيمي كتنظيم عقائدي في كيان واحد يسمى بالحزب العقائدي ، لتتجلى روح فكره بأبهى صورها من خلال نهج الكادر التنظيمي المطبق على أرض الواقع والذي يحمل في جوهره صفة التنوع المنهجي القائم على وحدة الثوابت المتمثلة في المبادئ والأهداف .
من هنا نستنتج بأن وجود العقيدة يتمثل في ثلاثة أركان رئيسية وهي :-
1) التعدد المتمثل في المنظومة أو الكيان التنظيمي وهو تجسيد للفكرة العقائدية .
2)المشترك الغائي المتمثل في الفكرة العقائدية القائمة على المنطلقات والأهداف الثابتة .
3) تنوّع النهج التطبيقي للفكر العقائدي وبما لايخالف الثوابت العقائدية، وهذا التنوع يعمل على شمولية الفكرة العقائدية وإثرائها روحا وعلما و زيادة قدرتها الإستيعابية لكافة أبناء المجتمع وتجسّدها إلى واقع قائم مما يعمل على إنجاح غايتها وسموّ فكرها العقائدي وبالتالي خلودها .
أما طبيعة العقيدة فتتمثل في منطلقها الرفضوي للواقع القائم وفي غايتها المتمثلة في التغيير والتجديد،بحيث أن افتقادها لذلك يجعلها فاقدة للصفة العقائدية ،وهذا يعني احتوائها الضمني لإرادة الإصرار والتحدّي والتصميم كونها لاتخضع للواقع ولاتهادنه .
ويأخذ المفهوم العقائدي عدة أبعاد وجودية متنوعة مثل البعد الديني والبعد القومي والبعد القبلي والبعد الأخلاقي والبعد الإنساني وغيرها من أشكال وأبعاد عقائدية مختلفة، ولذلك نسمع مايقولون نحن المسلمون أونحن المسيحيون كبعد ديني،ونحن الشرقيون كبعد أخلاقي وقيمي،ونحن العرب كبعد قومي ونحن الأمميون كبعد إنساني وهكذا.
وتعتبر الأخلاق أحد الأمثلة العقائدية للمجتمعات الإنسانية بحيث تمثل هذه المنظومة عقيدة أخلاقية تشكلت من خلال مجموعة قيم اجتمع عليها الناس كمنظومة عرفية بين أفراد المجتمع لتحقيق غاية عامة تعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع بدون استثناء كالنخوة والكرم والشجاعة وحماية الدخيل والذود عن حياض الأمة ومساعدة المحتاجين بغض النظر عن طبيعة حاجاتهم.
أن جميع تلك القيم تمثل منظومة أخلاق أخذت طوراُ عقائدياُ للفرد والجماعة كمنظومةُ عرفية لايمكن تجاوزها أو التخلّي عنها .
وقد أخذت تلك القيم طوراُ عقائدياُ من خلال اجتماع مفاهيم المجتمع الناتجة عن توسع مدارك الفرد والجماعة من خلال الوعي والتجربة بحيث عمل ذلك على تجسيد هذه القيم إلى واقع حي ضمن تلك المجتمعات بمنطلق رفض الواقع المتخلف القديم ومحاربتة كواقع مبني على الأنانية والإنتهازية وحب الذات وإهمال المصلحة العامة للمجتمع وإحلال تلك القيم الحميدة مكانها بهدف تطوير ذلك المجتمع من واقع البدائية المتخلفة إلى واقع أكثر إنسانية ووعياُ ونظرة في خدمة الإنسان والمجتمع على حدّ سواء .
كذلك فإن عقيدة الدين تمثل اجتماع مجموعة من المفاهيم والتصورات الإنسانية والقيم الأخلاقية على شكل منظومة عقائدية من خلال رسالة سماوية بمنطلقات أخلاقية غايتها الوصول إلى حقيقة إيمانية مشتركة واتخاذها مرجعاُ من أجل إصلاح وتطوير المجتمع بناءُ على التوجيهات الصريحة لتلك المرجعية أو بناءُ على استنباط التوجيهات من خلال إجتهاد فقهي يقوم على مبادئ تلك المرجعية،ومن هنا تكون الغاية الإيمانية بمثابة الدستور المنهجي لتلك العقيدة التي تسعى في ذلك إلى التطوير والإصلاح الدائمين .
وتمثل العقيدة أياُ كان نوعها منظومة توجه فكري على شكل مفهوم مشترك طابعه الرفض القائم على الإيمان الذاتي للفرد بوجوب تحقيق هدف سامي حقيقي غير قائم حالياُ، ليعبر عن رؤى وطموحات ومنافع المجتمع وليتبلور ذلك إلى إيمان جماعي بصورة فكر عقائدي محدّداُ غاية مشتركة تعمل عمل المحث الدائم بالسعي الدائم لتحقيقها كواقع قائم مهما كلف ذلك من أثمان وتضحيات وجهود .
ولأن العقيدة منظومة فإن هذا لا يعني أن كل منظومة تمثل عقيدة لأن ما يفرّق بينهما هو طبيعة المصلحة من حيث عموميتها وشموليتها أو فرديتها وخصوصها،بحيث أن العقيدة تقوم على مبدأ العموم والشمول والنظرة الأشمل والأبعد أفقاُ وغاية.
ولهذا فالعقيدة هي منظومة ذات طابع مؤسّسي تقوم على تحقيق مصلحة عامّة وشاملة لكافة أبناء المجتمع بما يعود ذلك بالمنفعة لمصالح أبنائها من خلال منافع المجتمع،وبالتالي فإنها تخدم مصالح الخصوص من خلال مصالح العموم المتمثلة في المصلحة الأشمل للمجتمع ولأبناء تلك العقيدة على حدّ سواء، بحيث لاتقوم على مبدأ مادي،وإن مفهومها للربح أو للخسارة إنما يتمثل في مقدار نجاحها أو فشلها في تحقيق أهدافها .
وهذا يعني أن المصلحة العامة الأشمل هي التي تحدّد طبيعة المصالح الفردية سواء للمجتمع بشكل عام أو لأبناء تلك العقيدة بشكل خاص،ولذلك فهي كعقيدة لاتعزل ذاتها عن المجتمع بل إن مصلحة المجتمع تكون دوماُ غايتها المنشودة .
ومن الأمثلة على تلك العقائد الديانات والمعتقدات والأحزاب المؤدلجة ذات التوجه الفكري العقائدي وحركات التحرر الوطني ومؤسّسات حقوق الإنسان وغيرها من مؤسسات ذات توجه عقائدي شامل .
أما منظمات حقوق الإنسان فهي منظومة تقوم على مقوّم فكر إنساني أخلاقي ولكنها لاتتصف بالفكر العقائدي رغم ظهورها بصفة العقائدية ذات البعد الإنساني كون منتسبيها حرفيون يتقاضون أجوراُ على أعمالهم.
إن عقائدية تلك المنظمات تكمن في فكرها الإنساني فقط وهو فكر نابع من شعور إنساني طبيعي شامل ، وأن كادرها التنظيمي هو كادر حرفي محض ودون أي توجه عقائدي كون غالبية موظفيها لاينطلقون في عملهم من دافع فكر عقائدي،فهم موظفون متخصّصون يؤدون واجباتهم المختلفة بمنطلق الحرفة غايتهم في ذلك تلقي الأجر وليس تحقيق غاية إنسانية سامية.
ولكن غاية المؤسسة تختلف عن غاية الكادر الوظيفي فهي لاتسعى لتحقيق ربح مالي أو أخذ أجر مقابل خدماتها .
فالمؤسّسة ذاتها هي منظومة فكر منطلقها رفض الواقع الظالم وغايتها تحقيق الحق والعدالة والحياة الأفضل للبشرية جمعاء ودون أي تمييز وتقوم على مبدأ النهج الحيادي .
وبرغم ذلك فهي مؤسّسات لاتتصف با الصفة العقائدية كون كادرها يمثل منظومة وظيفية حرفية تقوم على تحقيق مصالح إنسانية عامة من خلال مصالح الكادر الوظيفي لها، بحيث أن انتهاء مصالح الكادر الوظيفي يعني تلقائية انتهاء المصالح الإنسانية العامة،وهنا يتضح بجلاء تام ضرورة التنظيم العقائدي ككادر تنظيمي يحمل منطلقات وثوابت العقيدة حتى تتبلور الفكرة إلى الصّفة العقائدية .
أما المنظومة التي لاتتصف بالصفة العقائدية فهي ائتلاف مجموعة من الأفراد في منظومة معينة تأخذ صفة الشراكة ذات أهداف محدّدة تقوم على مبدأ مصلحة الفرد بحيث تحقق بعض المصالح العامة من خلال مصلحة الفرد الخاصة .
أن غاية المنظومة هو خدمة المصالح الفردية الخاصة ضمن تلك المنظومة لتكون المصلحة الفردية هي الأساس،وهذا يعني أن المصالح الفرديّة هي التي تحدّد طبيعة المصلحة العامة للمنظومة بشكلها الكامل،فإذا ما تضرّرت المصالح الفردية فإن المصلحة العامة للمنظومة ستنتهي فوراُ.
ومن الأمثلة على تلك المنظومات الشركات التجارية والبنوك ومؤسسات المجتمع المحلي القائمة على مبدأ تحقيق الربح المادي والجمعيات المختلفة والأحزاب الإنتهازية وغير ذلك من تجمعات .
إن العقائد جميعها سواء الدينية أو الفكرية إنما تقوم جميعها على مبدأ المفهوم الإنساني من تلك العقيدة ، ولأن المفهوم الإنساني متفاوت الإدراك بين شخص وآخر فهذا يعني اختلاف درجة المفهومية لتلك العقيدة بين شخص وآخر مما يعني أن الحقيقة بكمالها لايعلمها إلا الله وأننا كبشر لاندرك إلا جزءاُ محدوداُ منها،ولذلك فلا يمكن لأي كان من البشر أن يحتكر الحقيقة لنفسه أويدعي بأنه يمتلكها أو يمثلها وهنا يكون التنوع ضرورة التطور .
فمثلاُ إن جميع الديانات السماوية تنطلق من مبدأين إثنين وهما معرفة الله أولاُ والإيمان بوجوده ثانية ،وهنا يجتمع كل من العلم والعمل بحيث يمثل العلم المنطلق والضرورة بينما يمثل العمل الغاية الإيمانية ،وهذا يعني أن لا إيمان بدون علم .
ومن هنا كانت الرسالات السامية كالتوراة والإنجيل والقرآن الكريم دواع علمية لغايات إيمانية سامية بحيث أن هذا المنطلق العلمي يمثل طبيعة العقيدة التي يمثلها وهنا لاتستطيع وصف أي معتقد ديني إلا من خلال العلم الذي قام عليه ، فالقرآن مثلا كان ضرورة العقيدة الإسلامية كديانة سامية ،ولو لم يكن هناك قرآن لما كان هناك عقيدة إسلامية ،وكذلك الأمر بالنسبة للديانات الأخرى.
من هنا كانت ضرورة العلم تمثل منطلق الغاية العقائدية المتمثلة في الإيمان بالله،وأن انعدام الضرورة يعني تلقائية انعدام الغاية،ولكن هذه الضرورة تمثل علم وحتى يكون العلم معلوماُ فلا بدّ له وأن يكون مفهوماُ حتى يدرك ، لأن الفهم منطلق وضرورة العلم.
وهذا يعني أن علوم الكتب السماوية تمثل مفاهيم إدراكية متفاوتة لدى البشر، كل حسب درجة استيعابيته للأمور، وأن حقيقة الرسالات السماوية لايعلمها إلا الله وحده، وما نحن إلا تقدميون في فهم تلك الحقائق وأن فهمنا لها ماهو إلا واقع معرفي متطور للأفضل دائماُ وباستمرار، ليخرج الفرد بدرجة معينة من المفاهيم الأكثر تطوراُ بحيث يقوم بصياغتها إدراكيا من حيث الرفض أو القبول .
وهنا تتحدد درجة طبيعة المفهوم القائم على ذلك العلم إن رفضاُ أو قبولا وبناءُ عليها يتحدّد درجة الأخذ بها كعقيدة إيمانية سامية أو رفضها لأي سبب كان ،وهنا نصل إلى نتيجة هامة وهي أن أي عقيدة سواء أكانت دينية أو فكرية فإنها لن تتجسّد إلى عقيدة إلا من خلال مفهوم إنساني يحدد معالم تلك العقيدة الدينية أو العقيدة الفكرية أيا كانت طبيعة تلك العقيدة .
وهنا يجب أن نفرّق مابين العقيدة الدينية كمعتقد ديني أيّاُ كان ذلك المعتقد وما بين الأحزاب الدينية التي تنطلق في توجهاتها من خلال معتقداتها الدينية ، لأن الأحزاب الدينية هي توجهات سياسية تهدف لتحقيق نهج محدّد يمثل تطلع ورؤى ذلك الحزب وليس غاية ذلك المعتقد ، لأن غاية المعتقد تنحصر ضمن ذلك المعتقد فقط وليس في ذلك الحزب القائم على ذلك المعتقد وتتمثل في حقيقة الإيمان بذلك المعتقد الديني .
وأنه لا قدرة للحزب القائم على ذلك المعتقد في احتكار تلك الحقيقة لنفسه لأنه إن فعل ذلك فإنه ينحرف عن تلك العقيدة،ومن دلائل الإنحراف أنه يصبح حزباُ تكفيرياُ للغير من أبناء تلك العقيدة كونه يعتبر أن تلك العقيدة تنحصر في منتسبي ذلك الحزب دون غيرهم، فإن فعل ذلك سقط من عقيدة ذلك المعتقد وأصبح منحرفاُ عنها .
أما إن لم يحتكرها لنفسه فإنه عندها يكون محدود التوجه بمعنى أنه يمثل جزأ من الحقيقة التي ينطلق منها، وبذلك لايحق له وصف نفسه بأنه ممثلاُ لذلك المعتقد رغم انطلاقه من ثوابته العقائدية .
وبذلك فإن الأحزاب الدينية إن سعت في توجهاتها إلى تحقيق غاية المعتقد فإنها تنحرف تلقائياُ عن ذلك المعتقد ، وإن اقتصرت في سعيها لتحقيق نهج محدّد ضمن ذلك المعتقد فإنها تعترف وبشكل تلقائي بأنها صاحبة اجتهاد خاص ضمن ذلك المعتقد، وهذا لايمنحها شرعية ذلك المعتقد .
من خلال ذلك نستنتج بأن الأحزاب الدينية بكل توجهاتها لاتمثل حقيقة المعتقد الذي انبثقت منه كونها لاتمتلك غايته العقائدية بسبب أنها نتاج ذلك المعتقد وهي لم تصنعه .
وانطلاقاُ من ذلك فإن عقائدية الأحزاب الدينية تظهر بصفة الإزدواج العقائدي وهذا يمثل مقتل فلسفة رؤاها الحزبي كونها تسعى لتحقيق غاية معتقدها من خلال تحقيق خصوصية نهجها الحزبي الخاص .
فهي تظهر وكأنها معتقد قائم بحدّ ذاته أثناء تطبيقها لتوجهها الحزبي الخاص بها مما يعني الإستحواذ على شرعية المعتقد وهذا يعني تلقائية إلغاء الآخر والإنفراد بالقرار والتوجه، مما يؤدي إلى تحطيم المعتقد وتجزئته إلى مذاهب وتوجهات وطوائف وهذا يضر بتلك العقيدة داخليا .
ولذلك فإن تلك الأحزاب القائمة على معتقد ديني هي أحزاب تضر بعقائدها الدينية من جانبين سواء تعلم ذلك أو لاتعلم، فهي تضر عقيدتها داخلياُ عن طريق تقسيم المعتقد إلى مذاهب وتيارات متنافسة ومتصارعة كونها تحتكر الحقيقة لنفسها دون غيرها .
وتضر خارجياُ بعقيدتها عن طريق تشويه الحقيقة العلمية لتلك العقيدة السامية فتعمل على تقزيمها علمياُ وروحياُ وفكرياُ كون العقيدة السامية علم مطلق لايستطيع أي شخص معرفة كماله ،وما علم البشر للعقائد السماوية إلاّ مفاهيم إنسانية قاصرة عن إدراك الحقائق بكل معانيها كونها مفاهيم خاضعة للتطوير المستمر، ولذلك فإن هذه المفاهيم إن ادعت تمثيلها لعقائدها الدينية فإنها تعجز عن تفسير ماتؤول إليه تلك الحقائق من علم وبالتالي فإنها تظهر تلك العقائد السامية بمظهر الرجعية والتخلف أمام التطور الحضاري للإنسان .
ولذلك فالأحزاب الدينية لاتمتلك بعداُ عقائدياُ دينيا حقيقيّا وإن تسمت باسم الدين،إنها تمتلك عقيدة نهج حزبي يتمنطق بنطاق الدين،وهذا لايحقق لها خدمة العقيدة ولاخدمة النهج الحزبي كونها لاتمتلك غاية عقيدتها وكونها لاتمثلها لأنها جزء منها وليست كلها.
وبذلك فإن عقيدتها الحزبية هي عقيدة نهج تقليدية فقط حقيقتها التعصب والتشدّد كونها لاتمتلك أفقاُ فكرياُ قائماُ على العلم والإبداع بحكم ارتباطها عضويا بالعقيدة الإيمانية الأم،ولذلك تراهم تقليديوا التوجه لمن سبقهم من المشرعين كونهم لايأخذون بروح الفكر والإبداع وهنا تتجلى رجعيتهم الفكرية ورفضهم لروح التطور ومحاكاة الإبداع .
ولأنهم كذلك فهم يظهرون وكأنهم روّاد ذلك المعتقد الإيماني مما يظهر المعتقد وكأنه تابع لهم وليس العكس وهذا بحد ذاته يعمل عملين أولهما ظاهري ويتمثل في تقزيم ذلك المعتقد في مواكبة التطوّر بإفراغه من مضمونه السامي،وثانيهما قتل المعتقد من الداخل عن طريق تطييفه بأطياف متصارعة وتحييده عن الإبداع الفكري بقتله لمقوّم الإجتهاد الفقهي الذي يقوم بالدرجة الأولى على القبول بالآخرين فكراُ ووجوداُ وتوجهاُ وخصوصية ظرف .
ولأنها كذلك فإن البعد العقائدي لتلك الأحزاب يمثل على المدى البعيد مقتل عقيدتها الحقيقية السامية وكأن العقيدة تلد عقائد متصارعة ومعادية لها بسبب الفجوة الكبيرة الحقيقية بين حقيقة ماتدعو إليه تلك العقيدة الدينية السامية من علم ومنطق وغاية وبين المفهوم الإنساني لذلك المعتقد القاصر عن إدراك كمال الحقيقة وسمو ذلك المعتقد كونه خاضع دائما للتطوير المعرفي باستمرار .
وهذا يوضح بجلاء تام الفرق مابين المعتقد الديني السامي ومابين السياسة كنهج إنساني قابل للإصابة والخطأ،لأن العقيدة الدينية هي حقيقة سامية بحيث لاتدرك حقيقة علمها وسموّها إلا من خلال مفهوم انساني بسيط قابل للتطور الدائم مما يعني التباعد الكبير مابين المعتقد الديني والحزب السياسي الذي يدعي بتمثيله،مما يعني افتقاد تلك الأحزاب لصفة العقائدية الدينية واقتصار عقائدها على نهجها فقط كتوجه سياسي مستقل عن أي معنى ديني .
أما الأحزاب المؤدلجة فكرياُ والتي لا تأخذ في نهجها طابعاُ دينياُ فهي منظومات تمتلك (غايةُ ونهجاُ) وهذا يعني أنها منظومات عقائدية، بحيث تنبع عقيدتها من خلالها كونها تستلهم عقيدتها من فكرها القائم على واقعيتها ودرجة المعرفة العلمية المكتسبة وليس من معتقد أوجدها.
وهذا منحها حرية التوجه والنهج المتنوع،وهذا يخالف طبيعة الأحزاب ذات الطابع الديني كونها مقيّدة بثوابت عقائدية لم تصنعها هي .
إن حرية النهج لدى الفكر العقائدي يمنحه خاصية الإختلاف المتنوع وهذا يمثل ضرورة إثراء الفكرة العقائدية وشوليتها بحيث تستطيع التعايش مع كل زمان ومكان .
وهذا يعمل على :
1) زيادة قدرتها الإستيعابية للظروف المختلفة وكذلك
2) يمنحها ديمومة البقاء وهذا يجعلها فكرة عقائدية خالدة بمثابة الرسالة المتوارثة من جيل لجيل ومن عصر لآخر
3) زيادة مناخ الحرية الحزبية وتقزيم دكتاتورية الحزب إلى أبعد الحدود .
ولكن المشكلة تكمن في تشخيص هذا التنوع في النهج العقائدي من حيث كونه نهجا مختلقا بمعنى متنوعا أو مخالفا بمعنى مناقضا،فإن كان هذا التنوع متنوعاُ كان هذا التنوع بناءُ وإن كان مناقضاُ فإنه عندها يكون هداماُ ،وأن عملية التشخيص يجب أن تقوم على ثلاثة مقوّمات وهما:-
الرفيق مصطفى أبودية عمان / 16/6/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق