سيد آمين
هل تتذكرون الإطلالة المشئومة للرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش فى أعقاب أحداث ١١ سبتمبر متحدثًا عن الدول المارقة فى عالمنا العربى قاصدًا تلك الدول التى »مرقت« عن الحظيرة الأمريكية؟ هل تتذكرون وهو يحدد ٠٨ نظامًا للحكم فى العالم قائلاً إن أمريكا وحلفاءها الغربيين سيعملون على إزالتها من أجل حفظ ما أسماه السلام العالمى وأمن أمريكا وحلفائها لاسيما إسرائيل؟ ألم يسم الرئيس الأمريكى نظم الحكم فى العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر والسودان وموريتانيا وحزب الله وحماس وإيران وأفغانستان والصين وكوريا الشمالية؟
ألم تجرب الولايات المتحدة التدخل العسكرى المباشر فى العراق وأفغانستان فقتلت الملايين من أبنائهما ولكنها فى المقابل منيت بخسائر مادية وبشرية مرتفعة وضعت سمعتها العسكرية والمالية والأخلاقية على المحك رغم ما تكشف عن إنفاق وزير الدفاع السابق شوارتسكوف قرابة مائة مليار دولار من أجل شراء ذمم وسائل الإعلام فى العالم أجمع وخلق أكبر دعاية سوداء عرفها التاريخ ضد النظام العراقى عام ٠٩٩١؟ ألم يرهق الجزار الأمريكى من أعمال القتل والسلخ فراح يتبع أساليب التفتيت واللعب من وراء الكواليس فشطر السودان إلى جزئين وما زالت عمليات الانشطار تتوالى فى الولايات السودانية ثم فوجئنا مؤخرًا بوصولها إلى القلب حينما أعلنت مجموعات مجهولة تشكيل مجلس »ثورى« للإطاحة بنظام الخرطوم؟ إذن.. لماذا لا نعتبر »الثورات« فى ليبيا وسوريا واليمن هى استكمال لمخطط القضاء على النظم »المارقة« واستبدالها بنظم موالية خاصة لو وضعنا فى الاعتبار ما ذكره الرئيس الروسى مؤخرًا ميدفيدف أن الناتو يسعى لبناء أكبر قاعدة عسكرية له على السواحل الليبية؟ وبمناسبة الحديث عن القواعد العسكرية الأجنبية فى عالمنا العربى يجب أن نتساءل عن السبب وراء انفجار تلك الثورات فى الدول العربية التى لا تستضيف قواعدًا أجنبية، لا فرق بين غنى وفقير بينهما، أو وجود حالة متضخمة من الاستبداد فى نظم حكمها أو عكس ذلك.
حينما بدأ الحراك العربى يبزغ فى الأقطار العربية.. تخلى الكثيرون من المعنين بالشأن العام العربى عن رؤيتهم القطرية والفكرية وسارعوا بالانخراط فى صفوفه.. وهيئ للجميع أن حلمًا طال انتظاره فى دولة عربية موحدة وقوية ورائدة وعادلة أصبح قاب قوسين من التحقق.
وخيل إليهم- وأحسب نفسى واحدًا منهم- أنه للوصول للهدف المنشود عقبات لابد من تخطيها واحدة تلو الأخرى دونما اختيار أو مراوحة أو مفاضلة، ومن تلك العقبات القضاء على الاستبداد الذى لا يمكن أن يتحقق دون القضاء على الهيمنة الخارجية وما يتلوها من قوانين تضمن العدالة وتحث على الفضيلة والخصوصية واستعادة روح المبادرة والسبق.
وقد عززت الثورتان المصرية والتونسية هذا الخيال، وأقول خيال لأنه لم يسر على تلك العمومية فى جميع الأقطار، بل راحت الثورات تنتقى بين دولة وأخرى، ونظام وآخر، الأمر الذى فاضل بين شيطان وشيطان مع أن الجميع يستحقون الرجم.
الصورة واضحة للغاية، يدركها من له أدنى بصيرة، فالولايات المتحدة أرادت من تفجير تلك الثورات أو تصنيعها فى عالمنا العربى أمرين اثنين الأول هو »ترميم« وليس »تغيير« نظم حكم مستبدة موالية لها كانت قد أوشكت على التداعى وهو ما حدث فى مصر وتونس..
أما الأمر الثانى فهو »تصنيع« ثورات تحت مجهر إعلامى مكثف ومتعدد الزوايا يركز على الأخطاء دون المزايا ويصنع الحدث من العدم، ويلعب على معضلة الجدل السياسى لدى قطاع كبير من شعبنا العربى الذى لا يستطيع أن يميز بين الغث والثمين والثورة والمؤامرة، مستخدمًا فى ذلك حسن نيته، رغم أن الرسول الكريم يقول- فيما معناه- إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
ولعل اتباع الولايات المتحدة هذا الاسلوب فى التخلص من خصومها لم يكلفها أى خسائر لا فى الجنود ولا فى الأموال بل إنها هى الرابح الوحيد بين القاتل والمقتول من بنى جلدتنا، حيث راحت تصادر الأموال المجمدة فى البنوك لتنتشلها من إفلاس وشيك فضلاً عن إنها كسبت أصدقاء جددًا وآبار نفط جديدة تؤمن لها حاجات نهضتها النفطية بالإضافة إلى أنها »حسَنّت« من وجهها القبيح لدى »عوام« العرب وسوقتهم الذين بدءوا يؤمنون بشرعية الاستعانة بالأجنبى فى أزماتهم الداخلية وهو ما يخالف الإسلام وشريعته جملة وتفصيلاً.
وليت ذلك فحسب بل دارت ماكينات تصنيع الأسلحة لديها ولاقت رواجًا كبيرًا مرتين: الأولى وهى تبيع الأسلحة التى تهدم بها النظام المراد إزالته والثانية وهى تؤسس لجيش النظام الجديد الذى ستنصبه فى السلطة.
وفى هذا الصدد وجب أن نذكر أن طيارًا عراقيا ذكر فى لقاء أجرى معه أنه إبان أحداث غزو العراق ٣٠٠٢ صعد إلى طيارته الحربية للتصدى لفوج من طائرات الاحتلال إلا أن الطائرة لم تتحرك بتاتًا ولم يلبث أن جاءه أمر القيادة بالهروب من الطائرة فورًا وما أن تركها حتى انفجرت وذلك لأن لكل طائرة أو صاروخ أو أى سلاح غربى مهم »شيفرة« تحتفظ بها الدول البائعة للسلاح باستخدامها عبر الأقمار الصناعية يجرى تدميرها ذاتيا بمجرد إدارة »المحرك« ونشرت مواقع غربية أن الاسلوب نفسه تم استخدامه مع السلاح الليبى الفتاك حيث دمرت كل مخازن الصواريخ سام ٩ آليا قبل أيام من اعتقال العقيد معمر القذافى فى ركب عسكرى فى سرت وتسليم الأمريكان إياه لثوار مصراتة بحسب صحيفة »صنداى إكسبريس« الأمريكية.
وقد يقول قائل إننى اتهم الثورة المصرية بأنها ثورة أمريكية تهدف لتغيير نظام مبارك الماسونى، قطعًا أنا لم أقل ذلك ولكن أؤكد أن الثورات الحقيقية فى عالمنا العربى تمثلت فى الثورة المصرية والتونسية ولكن ما أرادته أمريكا من الثورة المصرية فقط هو تفريغ »بالون« الغضب ضد مبارك الذى أوشك على الانفجار عبر إزاحته معززًا مكرمًا مشكورًا بأمواله المسروقة من الشعب وتبديله بحاكم آخر، إلا أن الغضب المصرى كان أكبر مما خططه له الأمريكان ورجالهم فى الداخل والخارج.
لست أدرى لماذا كلما بحثت فى وعى الناس الجمعى تذكرت أحاديث الرسول الكريم حينما قال- فيما معناه- إنه فى آخر الزمان سيقتل المسلمون المسلمين وكلاهما يهتف الله أكبر، وقوله »ص« للمسلمين إنه سيكون أشد أعداء المسلمين منهم يرتدون زيهم وينطقون بلغتهم ويصلون خمسهم ويصومون شهرهم وقوله أيضًا عن أنه سيكذب فيه الصادق ويَصَدُقُ فيه الكاذب ويفتى فى أمور العامة الرويبضة.
صدقت يا حبيبى يا رسول الله.. صدقت يا رمز العروبة والإسلام.