هشام عودة
غابت خطواتك، كما غابت ابتسامتك، أيها الصديق، وصار علينا أن نقتنع بأنك لن تأتي بعد اليوم، وأنك غادرتنا قبل أن تلقي علينا، أو نلقي عليك، تحية الوداع.
قبل تسعة وثلاثين عاما، كنت مع مبدعينا الرواد، تؤسسون لانطلاقة رابطة الكتاب الأردنيين، وبقيت حتى يومك الأخير تؤسس لثقافة مغايرة ولسلوك مختلف، في الرابطة ذاتها، التي انتميت إليها مبدعا ومثقفا ونقابيا ومناضلا وإنسانا نبيلا.
عندما بدأت روايتك الكمبرادور تتحول إلى فيلم سينمائي في القاهرة، رأيت مزيجا من الحزن والفرح في عينيك، فرحا باكتشاف أهمية الرواية بعد عشرين عاما على طباعتها، وحزنا أن التكريم والتقدير يأتي دائما من خارج الحدود، ولم تكن تعرف يا صديقي أن سيارة الإسعاف تليق بنقل حطام جسدك أكثر من الطائرة المدخرة لخدمة سائح تدحرجت قدمه على صخرة في أي واد.
لا بحر في البحرين.. وربما لا بحر في أي مكان آخر، هكذا أرادت قصيدتك الأخيرة أن تقول لنا، وأنا الذي كنت شاهدا على ولادتها، غير أنك تركت لنا، قبل أن ترحل، ما جادت به قريحتك "ولكن الفتى حجر"، وهي مجموعتك الأخيرة التي لامست هموم الأمة، وقدمتك لنا شاعرا عروبيا منحازا لقضايا الوطن وأبنائه دائما، وإن ظلت فلسطين هي البوصلة التي تحدد مسار الأشياء واتجاه الحركة.
غائب بحجم حضورك وحاضر بحجم غيابك، هذه قناعة الأصدقاء جميعا، فكيف نبرر لأعمدة مدينة جرش الأثرية وحجارتها العتيقة غيابك عن موسم فرحها، وهي التي أدمنتك حارسا لقصائد الشعراء التي ملأت فضاء المدينة بالجمال، بل كيف نبرر غيابك، حين يسأل أصدقاؤك ورفاقك في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب واتحاد كتاب آسيا وإفريقيا عن مقعدك الشاغر، من يجرؤ يا صديقي على القول بأن الموت قد غيبك، في وقت تطغى فيه ابتسامتك على المكان كله.
ما لا يعرفه كثير من الأصدقاء، أن رابطة الكتاب الأردنيين عندما عادت إلى مسقط رأسها في جبل اللويبدة، قد عادت بإرادتك واختيارك، فأنت من اختار المكان، وأنت من سهر على صيانته، حتى لا تخلو زاوية فيه من بصمة لك.
أيها الغائب النبيل.. مثلما افتقدك رفاقك وأصدقاؤك من المبدعين والمثقفين في الأردن، فقد افتقدك أيضا مثقفو الأمة، وهم يعلنون في برقياتهم ومقالاتهم عن حجم خسارتهم بغيابك، وأنت الشاعر والروائي والمناضل والإنسان، الذي ظل منحازا لخيارات الوطن وأبنائه البسطاء.
مؤيد العتيلي.. افتقدناك نعم، لكننا منذ اليوم سنطلق على الشارع التي تنام رابطة الكتاب على رصيفه اسمك، وسنعيد قراءة نتاجك الشعري والروائي، ونعمل على إعادة طباعته أيضا، ليعرف الذين أغمضوا عيونهم عن رؤية نزيف دمك، وأصموا آذانهم عن سماع أنين جراحك، أي فتى أضاعوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق